شركة سيرز
تعتبر شركة سيرز من أنجح الشركات الأمريكية، فقد أعطى ريتشارد سيرز اسمه للشركة، لقد كانت الشركة تنشط كمضاربة تجارية، تشتري البضائع بأسعار منخفضة جدا و تعرضها دفعة واحدة و في وقت ما عن طريق دعاية إعلانية مثيرة، و كانت كل واحدة من معاملاتها تمثل صفقة كاملة في ذاتها، و عند انتهائها تقوم بتصفية نفسها و عملها معها.
و تعود انطلاق شركة سيرز روبيوك إلى بدايات القرن العشرين عندما قام يوليوس زوزبيوالد بافتتاح مؤسسة شيكاغو لأوامر الشراء البريدية، و اقترح كتالوج حقيقي لأوامر الشراء بالبريد يصدر بانتظام و سياسة "الرضاء المضمون أو استرجع نقودك" لقد أنشأ التنظيم البشري المنتج و أعطى أولا لرجال الإدارة أقصى حد من السلطة و المسؤولية الكاملة عن النتائج، ثم أعطى كل مستخدم حصة ملكية للشركة يشتريهـــا من واقـع أرباحـــه، و على هذا الأساس نمت شركة ســـيرز و تحولت إلى منظمة قومية مع كتالوجها المرغوب و هو المؤلف الوحيد الذي كان موجودا في الكثير من منازل الفلاحين بالمزارع، باعتبارها وجهت بضائعها إلى الفــلاح الأمريكي و الذي كان يمثل سوقا مستقلة و متميزة، مستقلة نظرا لانعزاله مما جعل قنوات التوزيع القائمة يصعب وصولها إليه، و متميزة بسبب احتياجاته الخاصة التي كانت تختلف في نواحي هامة عن تلك الخاصة بالمستهــلك في المدينـــة، و بينما كانت قوة الشراء لدى الفلاح منخفضة بشكل فردي، إلا أنها كانت تمثل في مجموعها قوة شرائية هائلة.
و للوصول إلى الفلاح، كان من الضروري إيجاد قناة توزيع جديدة، فالبضائع و السلع يلزم توفيرها لتلبية احتياجاته و رغباته، و يلزم إحضارها إليه بكميات كبيرة و بسعر منخفــض، مع ضمـــان التمويــن المنتظـــم، و كان عليه الحصول على ضمان بالأمانة من جانب المورد نظرا لأن عزلته الطبيعية جعلت من المستحيل عليه أن يقوم بمعاينة السلع قبل استلامها أو البحث عن التعويض إذا اكتشف خداعه... كل هذا تطلب إجراء تحليـل للعميـل و السوق، و تطلب الأمر الإبداع في خمسة مجالات:
أولا: القيام بترويج نظامي للسلع، أي إيجاد و تطوير مصادر لتوريد البضائع، و خاصة تلك التي يحتاجها الفــلاح كمــا و نوعا و بالسعر الذي يستطيع دفعه.
ثانيا: وجود كتالوج للشراء بنظام الطلب البريدي للعمل، كبديل مناسب بدلا من رحلات التسويق للمدينة و التي قد لا يستطيع الفلاح القيام بها.
ثالثا: المفهوم القديم "تحذير الشراء على مسؤوليتك" يجب أن يتغير إلى "استرد نقودك دون سؤال عن السبب".
رابعا: يلزم إيجاد وسيلة لمواجهة كميات كبيرة من أوامر الشراء الخاصـة بالزبــون بأسعـــار رخيصـــة و بسرعـــة، و بدون مؤسسة الطلب البريدي يصبح من المستحيل إدارة الأعمال بشكل طبيعي.
خامسا: يلزم إنشاء منظمة إنسانية، تقوم على الكفاءات التنظيمية.
لقد استطاعت سيرز بإبداعاتها تحقيق نتائج مهمة غير مألوفة، و قطعت أشواطا كبيرة في التنافسية غير أنه مع منتصف القرن الماضي بدأت سوق سيرز تتغير سريعا، فلم يعد الفلاح منعزلا (ساعدته السيارة علـى الذهـاب إلى المدينة لشراء حاجاته من هناك) و لم يعد يمثل سوقا متميزة (بفضل سيرز صار يشق طريقه في الحياة بسرعة و يحدد و يرفع مستوى معيشته بما يتماثل معه الطبقات المتوسطة في المدينة)، و في نفس الوقت ظهرت سوق حضرية كبيرة و ارتفع مستوى معيشة المجموعات ذات الدخل المنخفض في المدن، و ظهرت العادات المتميزة للطبقات الدنيا، حيث كانت لهم الرغبة في شراء نفس البضائع مثل الطبقات المتوسطة و الراقية... و بناءا عليه جاء قرار تحويل تركيز سيرز إلى محلات البيع بالتجزئة، المجهزة لخدمة كل من الفلاح الذي يتجول بالسيـارة و سكان المدينة.
مرة أخرى، كان لابد من القيام بإجراء سلسلة كاملة من الإبداع لجعل هذا القرار ممكنا، و بالنسبة لوجود مصادر للتموين و شراء البضائع منها، فإن عرض السلع تطلب إضافة وظيفتين جديدتين هامتين هما، تصميم المنتجات، و تطوير المصانع القادرة على تصنيع هذه المنتجات بكميات كبيرة، و تطلب ذلك أيضا إبـداع هـام، و هو سياسة جوهرية للعلاقات بين سيرز و مموليه، و إبداع تخطيط و بحث تجاري و بناء تنظيمي لمئات من صغار الموردين... إلا أن الدخول في البيع بالتجزئة غالبا ما كان يعني الحصول على مدراء مخازن، و كانت أهم مشاكل عنق الزجاجة هي نقص المدراء، لذلك كان لابد أن تكون معظم الابتكارات النظامية في مجال تطوير مستوى المدراء، كما أن التوسع في عملية البيع بالتجزئة كان يعني أيضا التجديدات الجذرية الشاملة في الهيكل التنظيمي، حيث أنه لا يمكن إدارة مستودعات التجزئة من المقر الرئيسي، بل يجب إدارتها محليا، و في النهاية أجرت شركة سيرز روبيوك تجديدات بشأن موقع المستودعات، و شــــكلها المعماري و ترتيبها نظرا لأن مستودع التجزئة التقليدي كان قد أصبح غير ملائم لسوق سيرز و قد تطلب الأمر تغيير المفهوم الكلي لمستودع بيع التجزئة، و في واقع الأمر فإن بفضل ابتكارات و إبداعات شركة سيرز فقد تغيرت عادات الشراء، و كذلك المظهر الطبيعي للمدن، كما حولت المنظمة صناعات تقليدية أخرى إلى نظام الإنتاج الشامل و التوزيع الشامـــل، و مازالت تفعل ذلك بنجاح منفرد (لاسيما بأمريكا اللاتينية)، غير أن رياح التغيير لا تنتهي.
بالنسبة للحرية التي غيرت سوق سيرز ذات مرة يبدو أنها سوف تتغير مرة أخرى مع بداية القرن الجديد، ففي معظم المدن أصبحت القيادة شيء غير مسـتحب و العثور على أماكن لانتظار السيارات غاية في الصعوبة لدرجة أن السيارة لم تعد وسيلة سريعة للمساعدة على التسوق، و في نفس الوقت فإن زبون سيـرز النموذجـي و هو ربة البيت أصبحت تميل أكثر فأكثر للعمل، و تكون في العمل خلال ساعات التسوق، أو يكون لديها أطفال صغار و ليس لديها أي شخص يمكن ترك أطفالها معهم عند ذهابها للتسوق.
فإذا كان هذا التغيير صحيحا فإن شركة سيرز تحتاج للبحث عن تحليل السوق و العميل، كما تم في نقطتي التحول السابقة، كما يلزم تطوير أهداف جديدة، و أنواع جديدة لأنظمة التوزيع، و مفاهيــم جديــــدة للتنظيـــم، و سياسات جديدة للتعويض و المكافآت و إيجاد الموظفين المناسبين (كما حدث بالنسبة لمدراء مستودعــات التجزئـــة، و حتى في العملية التجارية، تبقى الحاجة إلى أهداف جديدة، لأهم عميل في يومنا هذا و هو الأم الشابة المتزوجـة و ربة البيت التي غالبا ما يكون لها وظيفة و من ضمن هذه الأهداف وجود سوق متميزة مثل ذلك السوق الذي أنشأ للفلاح أيام عزلته، بمعنى يتوجب على سيرز روبيوك التفكير من خلال عملها عن مكان أسواقها و الإبداعات اللازمة لتطوريها.
